فصل: 1546 - مَسْأَلَةٌ: بيع ألبان النساء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1546 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ أَلْبَانِ النِّسَاءِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الشُّعُورُ، وَبَيْعُ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ لِلتَّزْبِيلِ، وَبَيْعُ الْبَوْلِ لِلصَّبَّاغِ‏:‏ جَائِزٌ وَقَدْ مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ بَيْعِ كُلِّ هَذَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْلُبَ لَبَنَهَا فِي إنَاءٍ وَتُعْطِيَهُ لِمَنْ يَسْقِيهِ صَبِيًّا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لَهُ، وَكُلُّ مَا صَحَّ مِلْكُهُ وَانْتِقَالُ الْإِمْلاَكِ فِيهِ‏:‏ حَلَّ بَيْعُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏ إِلاَّ مَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا‏.‏

وَأَمَّا الشُّعُورُ، وَالْعَذِرَةُ، وَالْبَوْلُ‏:‏ فَكُلُّ ذَلِكَ يُطْرَحُ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنْهُ أَحَدٌ‏:‏ هَذَا عَمَلُ جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَإِذَا تُمُلِّكَ لأََحَدٍ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ بِشُعُورِ النَّاسِ، كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ‏.‏

1547 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ النَّحْلِ، وَدُودِ الْحَرِيرِ، وَالضَّبِّ، وَالضَّبُعِ‏:‏ جَائِزٌ حَسَنٌ‏:‏ أَمَّا الضَّبُّ وَالضَّبُعُ‏:‏ فَحَلاَلٌ أَكْلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَصَيْدٌ مِنْ الصَّيُودِ، وَمَا جَازَ تَمَلُّكُهُ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا قَدَّمْنَا‏.‏

وَأَمَّا النَّحْلُ، وَدُودُ الْحَرِيرِ‏:‏ فَلَهُمَا مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهُمَا مَمْلُوكَانِ‏:‏ فَبَيْعُهُمَا جَائِزٌ‏.‏ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ النَّحْلِ، وَدُودِ الْقَزِّ

وَأَمَّا مَا عَسَّلَتْ النَّحْلُ فِي غَيْرِ خَلاَيَا مَالِكِهَا‏:‏ فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ بَعْضَهَا، وَلاَ مُتَوَلِّدًا مِنْهَا كَالْبَيْضِ، وَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، لَكِنَّهُ كَسْبٌ لَهَا، كَصَيْدِ الْجَارِحِ، وَهُمَا غَيْرُ النَّحْلِ وَالْجَارِحِ‏:‏ فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ

وَأَمَّا مَا وَضَعَتْ فِي خَلاَيَا صَاحِبِهَا‏:‏ فَلَهُ؛ لأََنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَ الْخَلاَيَا، فَمَا صَارَ فِيهَا فَهُوَ لَهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ وَضَعَ حِبَالَةً لِلصَّيْدِ، أَوْ قُلَّةً لِلْمَاءِ، أَوْ حَظِيرًا لِلسَّمَكِ‏:‏ فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ؛ لأََنَّهُ قَدْ تَمَلَّكَهُ بِوَضْعِ مَا ذَكَرْنَا لَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1548 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَابْتِيَاعُ الْحَرِيرِ جَائِزٌ، وَقَالَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ بَعْضُ السَّلَفِ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُوس‏:‏ أَنَّهُ كَرِهَ التِّجَارَةَ فِي الشَّابِرِيِّ الرَّقِيقِ، وَالْحَرِيرِ وَلُبْسَهُ‏.‏ جَاءَ فِي ذَلِكَ‏:‏ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْحَرِيرَ وَثَمَنَهُ‏.‏ وَهَذَا فِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي حُلَّةِ الْحَرِيرِ الَّتِي كَسَاهَا عُمَرَ لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ لِتَبِيعَهَا أَوْ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ‏.‏

1549 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَابْتِيَاعُ وَلَدِ الزِّنَى، وَالزَّانِيَةِ حَلاَلٌ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ وَلَدُ الزِّنَى لاَ تَبِعْهُ، وَلاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَأْكُلْ ثَمَنَهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَقَدْ أَمَرَ عليه الصلاة والسلام بِبَيْعِ الأَمَةِ الْمَحْدُودَةِ فِي الزِّنَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إذَا زَنَتْ الرَّابِعَةَ‏.‏

1550 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ كُلِّهَا حَلاَلٌ إذَا دُبِغَتْ، وَكَذَلِكَ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا شَعْرُهُ وَعَظْمُهُ فَلاَ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ عِظَامُ الْمَيْتَةِ أَصْلاً وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ بَيْعِ جُلُودِهَا وَإِنْ دُبِغَتْ وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ‏.‏ وَأَبَاحَ مَالِكٌ بَيْعَ صُوفِ الْمَيْتَةِ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ‏.‏

برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ إنَّهَا حَرُمَ أَكْلُهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي ‏"‏ كِتَابِ الطَّهَارَةِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ‏.‏ فَأَمَرَ عليه السلام بِأَنْ يُنْتَفَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ، وَالْبَيْعُ مَنْفَعَةٌ بِلاَ شَكٍّ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّحْلِيلِ، وَخَارِجٌ عَنْ التَّحْرِيمِ إذْ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏ أَمَّا الْخِنْزِيرُ‏:‏ فَحَرَامٌ كُلُّهُ، حَاشَا طَهَارَةَ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ فَقَطْ‏.‏

وَمِنْ عَجَائِبِ احْتِجَاجِ الْمَالِكِيِّينَ هَهُنَا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الْجِلْدَ يَمُوتُ، وَكَذَلِكَ الرِّيشُ تُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ،

وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَلاَ يَمُوتُ فَلَوْ عُكِسَ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ بَلْ الْجُلُودُ لاَ تَمُوتُ وَكَذَلِكَ الرِّيشُ،

وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَتُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَنْفَصِلُونَ، وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى كَدَعْوَى

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ لاَ بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ، وَأَبَاحَ الأَنْتِفَاعَ بِعَظْمِ الْفِيلِ وَبَيْعَهُ‏:‏ طَاوُوس، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1551 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ جَائِزٌ، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا حَرُمَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى، وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ، وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ، وَبَقِيَ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى حُرًّا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَدَّى عُشْرَ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ عُشْرَهُ حُرٌّ وَيَجُوزُ بَيْعُ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ دِرْهَمٌ مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ أَقَلُّ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَا دَامَ عَبْدًا وَتُنْتَقَضُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ مُعْتَقٌ بِصِفَةٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إِلاَّ أَنْ يَعْجِزَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ

وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ؛ لأََنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يَأْتِ بِنَصٍّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ غَرِيمٌ يُتْبَعُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْت إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيَّ يَقُولاَنِ‏:‏ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى رُبُعَ قِيمَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ لاَ يُسْتَرَقُّ‏.‏ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ‏:‏ هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ‏.‏ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُرَقُّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَمِّهِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ تُكَاتِبُونَ مُكَاتَبِينَ فَأَيُّهُمْ مَا أَدَّى الشَّطْرَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ‏.‏

وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا‏:‏ إذْ أَدَّى الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ‏:‏ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ رُبُعُ كِتَابَتِهِ وَأَدَّى سَائِرَهَا فَهُوَ غَرِيمٌ، وَلاَ يَعُودُ عَبْدًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ‏:‏ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ، أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ‏:‏ فَهُوَ غَرِيمٌ

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا إذَا أَخَذَ الصَّكَّ فَهُوَ غَرِيمٌ‏.‏ وَبِكُلِّ هَذِهِ الأَقْوَالِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ إنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ مِنْ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ‏:‏ ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكَ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأََهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا‏:‏ إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونُ لَنَا وَلاَؤُكِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ‏:‏ دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ‏:‏ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرِينِي فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُونِي فَأَعْتِقِينِي فَقَالَتْ‏:‏ نَعَمْ، فَقَالَتْ‏:‏ إنَّ أَهْلِي لاَ يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي فَقَالَتْ‏:‏ لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ‏:‏ مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا قَالَتْ فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏ فَأَمْرُ بَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى تِسْعِ أَوَاقِيَّ فِي تِسْعِ سِنِينَ، كُلَّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَدَّتْ بَعْدُ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَأَنَّهَا بِيعَتْ كَذَلِكَ، وَأَنَّ أَهْلَهَا عَرَضُوهَا لِلْبَيْعِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ بِعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَمَرَ بِشِرَائِهَا وَعِتْقِهَا وَالْوَلاَءِ لِمَنْ أَعْتَقَهَا، وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ، فَبَلَّحُوا عِنْدَهَا‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ مُجَرَّدٌ، مَا رَوَى قَطُّ أَحَدٌ أَنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ، وَلاَ جَاءَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي الْخَبَرِ، وَأَيْنَ الْعَجْزُ مِنْهَا وَهِيَ فِي اسْتِقْبَالِ تِسْعَةِ أَعْوَامٍ، وَعَائِشَةُ بَعْدُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزَةُ الأَمْرِ تَبْتَاعُ وَتُعْتِقُ، وَلَمْ تُقِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا تِسْعَةَ أَعْوَامٍ فَقَطْ‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ نَعَمْ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَ عَقْدُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا يَرَوْنَ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلاَ يَحْتَجُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَلَيْسَ إجْمَاعًا فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ لاَ يَرَى الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ، وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ بَيْعَ الْعَبْدِ يَقُولُ لَهُ سَيِّدُهُ‏:‏ إنْ جَاءَ أَبِي فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيُبْطِلُونَ بَيْعَهُ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَلاَ يُجِيزُونَ لَهُ فِي الْعَقْدِ بِغَيْرِ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَظَهَرَ عَظِيمُ تَنَاقُضِهِمْ، وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ‏.‏ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرُ الآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَإِنَّهَا كُلُّهَا سَاقِطَةٌ‏:‏ أَحَدُهَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ صَحِيفَةٌ، وَكَمْ خَالَفُوا هَذِهِ الطَّرِيقَ إذَا خَالَفَتْ مَذْهَبَهُمْ‏.‏ وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلاَ سَمَاعَ لَهُ مِنْهُ وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِمَا إِلاَّ تَحْدِيدٌ‏:‏ أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ عُشْرُ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ عُشْرُ عُشْرِهَا‏.‏ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ مَكْذُوبٌ فَسَقَطَتْ كُلُّهَا‏.‏ وَأَمَّا إذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، كِلاَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَيُورَثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَهُ إِلاَّ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا لأََنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُرْسَلَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ، أَوْ مِثْلُهُ، فَالآنَ صَارَ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَ يَبْطُلُ، وَيَبْطُلُ بِهِ الْإِسْنَادُ مِمَّنْ أَسْنَدَهُ، وَمَا يَسْلُكُ فِي دِينِهِ هَذِهِ الطَّرِيقَ إِلاَّ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ، وَلاَ حَيَاءَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

1552 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُدَبَّرَةِ، حَلاَلٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلِغَيْرِ دَيْنٍ لاَ كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِالْبَيْعِ، كَمَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِبَيْعِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال أحمد‏:‏ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ كَمَا قلنا، وَلاَ تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ‏.‏ وَهَذَا تَفْرِيقٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ، وقال مالك‏:‏ لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ، وَلاَ الْمُدَبَّرَةُ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ بِيعَا فِيهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ لَمْ يُبَاعَا فِيهِ فِي حَيَاةِ الْمُدَبِّر، وَبِيعَا فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثَ الْمُدَبَّرُ، وَلاَ دَيْنَ هُنَالِكَ‏:‏ أُعْتِقَ مِنْهُ مَا يَحْمِلُ الثُّلُثَ وَرَقَّ سَائِرُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ بِيعَ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ دَيْنٍ فَأَعْتَقَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَجَازَ‏.‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُهُ حَرَامًا فَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لاَ فِي دَيْنٍ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ أُعْتِقَ أَوْ لَمْ يُعْتَقْ كَمَا لاَ تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَلاَ يَنْفُذُ بَيْعُهَا وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُهُ حَلاَلاً فَمَا يَحْرُمُ مَتَى شَاءَ سَيِّدُهُ بَيْعَهُ‏.‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ حُجَّةً لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ لاَ فِي دَيْنٍ، وَلاَ فِي غَيْرِ دَيْنٍ لاَ فِي الْحَيَاةِ، وَلاَ بَعْدَ الْمَوْتِ‏:‏ وَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ اسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏‏.‏ أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَأَجَازُوا بَيْعَهُ فِي مَوَاضِعَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فَلَمْ يَفُوا بِالْعُقُودِ‏.‏ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَاسْتَسْعُوهُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَلَمْ يَفُوا بِالْعُقُودِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ مِنْهَا‏:‏ خَبَرٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثِقَةٌ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْمُدَبَّرُ لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُشْتَرَى وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ‏.‏ وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ؛ لأََنَّ عَبْدَ الْبَاقِي رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ، إذْ ظَهَرَ فِيهِ الْبَلاَءُ‏.‏ ثُمَّ سَائِرُ مَنْ رَوَاهُ إلَى أَيُّوبَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ إنْ كَانَ هُوَ السِّنْجَارِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ قَدْ خَالَفُوهُ‏.‏ وَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ الآخَرُ نَصِيبَهُ‏:‏ فَإِنَّ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ وَهَذَا بَيْعٌ لِلْمُدَبَّرِ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ الْمَوْضُوعَ مَعَ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ‏.‏ وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِمَّنْ يَرُدُّ حَدِيثَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ، وَحَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ، مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيدِهَا وَانْتِشَارِهَا ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْكَذِبَةِ‏.‏ وَذَكَرُوا

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ‏:‏ مَا لَهُمْ أَثَرٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي أَوْلاَدِ الْمُدَبَّرَةِ‏:‏ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا مَا نَرَاهُمْ إِلاَّ أَحْرَارًا، وَوَلَدُهَا كَذَلِكَ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيعَةَ، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا فِي الأَعْرَابِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَبَعَثَ فِي طَلَبِ الْجَارِيَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَأَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ فَأَخَذَ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَجَعَلَهَا مَكَانَهَا عَلَى تَدْبِيرِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏.‏ أَمَّا خَبَرُ عُمَرَ‏:‏ فَسَاقِطٌ؛ لأََنَّ الزُّهْرِيَّ، وَرَبِيعَةَ، لَمْ يُولَدَا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِخَمْسٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَزِيَادَةً، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَفِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لِوُجُوهٍ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ خَالَفَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَيْهَا، وَلاَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهَا، وَهَذَا تَنَازُعٌ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا يُبِيحَانِ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لأََنَّ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الثَّمَنَ فَابْتَاعَ بِهِ جَارِيَةً فَجَعَلَهَا مُدَبَّرَةً مَكَانَهَا، وَيُعِيذُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَاسِدِ، الظَّاهِرِ الْعَوَارِ، إذْ يَحْرُمُ بَيْعُ مَمْلُوكَةٍ مِنْ أَجْلِ مَمْلُوكَةٍ أُخْرَى بِيعَتْ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا‏.‏ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْ بَاعَ حُرًّا أَنْ يَبْتَاعَ بِالثَّمَنِ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ مَكَانَهُ، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏ وَكَيْفَ إنْ ذَهَبَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ بِهِ رَقَبَةٌ أَوْ وُجِدَتْ بِهِ رِقَابٌ أَوْ وُجِدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ أَنْ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى مُدَبَّرَةً مَكَانَهَا، وَلَعَلَّ هَذِهِ تَمُوتُ مَمْلُوكَةً، فَكَيْفَ الْعَمَلُ أَوْ لَعَلَّهَا تَعِيشُ وَتَمُوتُ الْمَبِيعَةُ مَمْلُوكَةً فَكَيْفَ الْعَمَلُ فِي هَذَا التَّخْلِيطِ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ‏:‏ فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ مُجَرَّدٌ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا فِيهِ حُكْمُ وَلَدِهَا إنْ عَتَقَتْ هِيَ فَقَطْ‏.‏ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ حَيَاءٌ مَا مَوَّهُوا فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذَا، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ جَابِرٍ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا يُرَقُّونَ بِرِقِّهَا، وَيُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا‏.‏ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرِهِمْ، مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَهَذَا جَابِرٌ يَرَى إرْقَاقَ الْمُدَبَّرَةِ، فإن قيل‏:‏ هَذَا مُرْسَلٌ‏.‏ قلنا‏:‏ بِالْمُرْسَلِ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْنَا فَخُذُوهُ أَوْ فَلاَ تَحْتَجُّوا بِهِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّمَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَيَانُ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ،

كَمَا رُوِّينَا بِأَصَحِّ سَنَدٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إِلاَّ وَلِيدَةً‏:‏ إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فَكَانَ يَطَؤُهُمَا حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ مِنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ‏.‏ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا كَذَبُوا؛ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَتَهُ، قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ لِمَ تَكْرَهُهُ فَقَالَ‏:‏ لِقَوْلِ عُمَرَ‏:‏ لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأََحَدٍ‏.‏ فَظَهَرَ فَسَادُ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ جَاءَ عَنْهُمْ، وَمَوَّهُوا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ لَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ اسْمِ الْمُدَبَّرِ، وَاسْمِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ برهان، وَلَيْسَ كُلُّ اسْمَيْنِ اخْتَلَفَا وَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ مَعْنَاهُمَا وَحُكْمُهُمَا إذَا وُجِدَا فِي اللُّغَةِ مُتَّفِقِي الْمَعْنَى‏:‏ فَإِنَّ ‏"‏ الْمُحَرَّرَ، وَالْمُعْتَقَ ‏"‏ اسْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، ‏"‏ وَالزَّكَاةُ، وَالصَّدَقَةُ ‏"‏ كَذَلِكَ، ‏"‏ وَالزَّوَاجُ، وَالنِّكَاحُ ‏"‏ كَذَلِكَ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا‏.‏ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ الْفَاسِدُ لَكَانَ الْوَاجِبُ إذَا جَاءَ فِيهِمَا نَصٌّ أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ

وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي اخْتِلاَفِ الأَسْمَيْنِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا، وَلاَ يُبَاعَ الآخَرُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ اسْمُ‏:‏ الْفَرَسِ، وَالْعَبْدِ، وَكِلاَهُمَا يُبَاعُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏‏.‏ وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَ كُلِّ مُتَمَلَّكٍ جَائِزٌ إِلاَّ مَا فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَ بَيْعِهِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُدَبَّرَةِ، فَبَيْعُهُمَا حَلاَلٌ‏.‏ وَمِنْ السُّنَّةِ‏:‏

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، كِلاَهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ الْمُدَبَّرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلاَمًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ يَبْتَاعُهُ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ جَابِرٌ‏:‏ غُلاَمٌ قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، وَأَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ‏:‏ فَهَذَا أَثَرٌ مَشْهُورٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ، وَأَمْرٌ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ رَاضٍ، فَلَوْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ هَهُنَا الْإِجْمَاعَ لَمَا أَبْعَدَ، لاَ كَدَعَاوِيهِمْ الْكَاذِبَةِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَذِبِ‏:‏ بَيْعٌ فِي دَيْنٍ، وَإِلَّا فَلأََيِّ وَجْهٍ بِيعَ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ، وَإِنَّمَا بِيعَ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمُدَبِّرِهِ مَالٌ غَيْرُهُ، فَلِهَذَا بَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَيْعُهُ مُبَاحٌ لاَ وَاجِبٌ كَسَائِرِ مَنْ تَمَلَّكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّهُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ قَبْل أَنْ يُدَبَّرَ، فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُدَبَّرَ فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى مَا لاَ برهان لَهُ بِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ الَّذِي لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ بِصِفَةٍ لاَ يَدْرِي أَيُدْرِكُهَا الْمُعْتَقُ بِهَا أَمْ لاَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ‏:‏ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ مَجِيءِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْمُدَبَّرُ مُوصًى بِعِتْقِهِ، كِلاَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ فَوَاجِبٌ إنْ صَحَّ الْقِيَاسُ أَنْ يُبَاعَ الْمُدَبَّرُ كَمَا يُبَاعُ الآخَرَانِ، وَلَكِنْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ‏.‏ وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏:‏ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، قَالَ‏:‏ سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ الْمُدَبَّرِ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ أَبِي فِيهِ، أَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَقُلْت‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ‏:‏ يَبِيعُهُ إنْ احْتَاجَ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ كَانَ طَاوُوس لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَعُودَ الرَّجُلُ فِي عَتَاقَتِهِ قَالَ عَمْرٌو‏:‏ يَعْنِي التَّدْبِيرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ إذَا شَاءَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ‏:‏ يُعَادُ فِي الْمُدَبَّرِ، وَفِي كُلِّ وَصِيَّةٍ وَقَدْ

رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ‏:‏ كَرَاهِيَةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ يَبِيعُهُ الْجَرِيءُ، وَيَرَعُ عَنْهُ الْوَرِعُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ بَلْ يَبِيعُهُ الْوَرِعُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقِفُ عَنْهُ الْجَاهِلُ، وَتَاللَّهِ مَا تُخَافُ تَبِعَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرٍ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ نَخَافُ التَّبِعَةَ مِنْهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي تَحْرِيمِنَا مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ، أَوْ فِي تَوَقُّفِنَا فِيهِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏‏.‏ وَبَيْعُ الْمُدَبَّرِ مِمَّا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَلاَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1553- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ حَلاَلٌ وَبَيْعُ مَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ أَنْ تُكَاتَبَ وَبَعْدَ أَنْ كُوتِبَتْ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا‏:‏ حَلاَلٌ‏.‏ وَبَيْعُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ‏:‏ حَلاَلٌ‏.‏ هَذَا كُلُّهُ لاَ خِلاَفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، إِلاَّ مَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ‏.‏

وَأَمَّا مَا وَلَدَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ‏:‏ فَحَرَامٌ بَيْعُهُ، وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ‏.‏ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ مَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ بَعْدَ أَنْ تُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ الَّتِي تَحْمِلُ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ‏:‏ هُوَ أَنَّهُ وَلَدُ أَمَةٍ جَائِزٌ بَيْعُهَا، فَهُوَ عَبْدٌ؛ لأََنَّ وَلَدَ الأَمَةِ عَبْدٌ‏.‏

وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ‏:‏ أَوْلاَدُ الْمُدَبَّرَةِ لاَ عِتْقَ لَهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَطَاءٍ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ‏:‏ أَوْلاَدُ الْمُدَبَّرَةِ عَبِيدٌ،

وَأَمَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْعِتْقُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ فَهُوَ حُرٌّ مَعَهَا مَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ السَّيِّدُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏:‏ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا‏.‏

وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلاَفَهُمْ لِطَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، كَاَلَّذِي صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لِدَارٍ وَاشْتِرَاطَ سُكْنَاهَا مُدَّةَ عُمُرِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا‏.‏ وَأَمَّا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُمْ، لأََنَّهَا حَرَامٌ بَيْعُهَا وَهُوَ إذَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْضُهَا‏:‏ فَحَرَامٌ بَيْعُهُ، وَمَا حَرُمَ بَيْعُهُ بِيَقِينٍ فَلاَ يَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لَهَا‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا ‏"‏ كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا ‏"‏ فَهُوَ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ، وَوَلَدُ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1554 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، أَوْ بِصِفَةٍ‏:‏ حَلاَلٌ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ الْعِتْقُ بِحُلُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُصْبِحْ الْغَدُ، أَوْ كَمَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَفَاقَ مَرِيضِي‏:‏ فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُفِقْ مَرِيضُهُ؛ لأََنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

وقال مالك‏:‏ كَذَلِكَ فِي الْمُعْتَقِ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ، وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ تَكُونَ، وَلَمْ يَقُلْهُ فِي الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ‏.‏ فَقُلْنَا‏:‏ نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا إِلاَّ أَنَّهُ حَتَّى الآنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، وَلاَ دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى وَاحْتِجَاجٌ لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ

1555 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَجَائِزٌ لِمَنْ أَتَى السُّوقَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِهَا فِي السُّوقِ، وَبِأَكْثَرَ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لأََهْلِ السُّوقِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلاَ لِلسُّلْطَانِ‏.‏

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِهَا، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ التَّرْخِيصِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُبِيحُونَ لَهُ التَّغْلِيَةَ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ‏.‏ ثُمَّ زَادُوا فِي الْعَجَبِ وَاحْتَجُّوا بِاَلَّذِي

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَأَمَّا أَنْ تَرْفَعَ عَنْ سُوقِنَا‏.‏

قال علي‏:‏ هذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُمْ كَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ كَإِجْبَارِهِ بَنِي عَمٍّ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى ابْنِ عَمِّهِمْ، وَكَعِتْقِهِ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ إذَا مَلَكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ؛ لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ فَقَطْ‏.‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا فِيهِ عَلَى عُمَرَ، فَتَأَوَّلُوهُ بِمَا لاَ يَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، يُرِيدُ أَنْ تَبِيعَ مِنْ الْمَكَايِيلِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبِيعُ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ هَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ مُبَيَّنًا‏.‏

كَمَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ وَجَدَ عُمَرُ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَبِيعُ الزَّبِيبَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ تَبِيعُ يَا حَاطِبٌ فَقَالَ‏:‏ مُدَّيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ تَبْتَاعُونَ بِأَبْوَابِنَا، وَأَفْنِيَتِنَا، وَأَسْوَاقِنَا، تَقْطَعُونَ فِي رِقَابِنَا‏.‏ ثُمَّ تَبِيعُونَ كَيْفَ شِئْتُمْ، بِعْ صَاعًا، وَإِلَّا فَلاَ تَبِعْ فِي أَسْوَاقِنَا، وَإِلَّا فَسِيبُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ اجْلِبُوا ثُمَّ بِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ‏.‏ فَهَذَا خَبَرُ عُمَرَ مَعَ حَاطِبٍ فِي الزَّبِيبِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ

قلنا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ، بَلْ فِي قَوْلِكُمْ أَنْتُمْ الضَّرَرُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ، وَعَلَى الْمَسَاكِينِ، وَعَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ إلَى النَّاسِ، وَلاَ ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ؛ لأََنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَنْ يُرَخِّصُوا كَمَا فَعَلَ هَذَا فَلْيَفْعَلُوا، وَإِلَّا فَهُمْ أَمْلَكُ بِأَمْوَالِهِمْ كَمَا هَذَا أَمْلَكُ بِمَالِهِ‏.‏ وَالْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏ وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏‏.‏

1556 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُشْرِكُهُ فِيهَا أَهْلُ تِلْكَ السُّوقِ، وَهِيَ لِمُشْتَرِيهَا خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ‏.‏

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُشْرِكُوهُ فِيهَا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرَهُمْ وَهُوَ ظُلْمٌ ظَاهِرٌ، وَيُبْطِلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏ فَلَمْ يَتَرَاضَ الْبَائِعُ إِلاَّ مَعَ هَذَا الْمُبْتَاعِ لاَ مَعَ غَيْرِهِ، فَالْحُكْمُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ الْحُكْمُ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ بِهَذَا فِي غَيْرِهِمْ لاَ لَهُمْ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ‏:‏ قَدِمَ الْمَدِينَةَ طَعَامٌ فَخَرَجَ أَهْلُ السُّوقِ إلَيْهِ فَابْتَاعُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ‏:‏ أَفِي سُوقِنَا هَذَا تَتَّجِرُونَ أَشْرِكُوا النَّاسَ، أَوْ اُخْرُجُوا فَاشْتَرُوا ثُمَّ ائْتُوا فَبِيعُوا‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ أَعْظَمُ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لأََنَّ أَهْلَ الصِّنَاعَةِ مِنْ السُّوقِ يَتَوَاطَئُونَ عَلَى إمَاتَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي يَبِيعُهَا الْجَالِبُ أَوْ الْمُضْطَرُّ، وَيَتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ لاَ يَزِيدُوا فِيهَا، وَيَتْرُكُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ يَسُومُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمُضْطَرُّ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَهَذَا وَاجِبٌ مَنْعُهُمْ مِنْهُ؛ لأََنَّهُ غِشٌّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا‏.‏

1557 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَلاَ عَلَى أَنْ لاَ يُقَوَّمَ عَلَيَّ بِعَيْبٍ وَالْبَيْعُ هَكَذَا فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَمْ يَرَ لِلْمُشْتَرِي الْقِيَامَ بِعَيْبٍ أَصْلاً عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ‏.‏ وَذَهَبَ سُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ إلَى أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ‏.‏ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ إِلاَّ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ عُيُوبِ الْحَيَوَانِ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْ عُيُوبِهِ فَكَتَمَهُ‏.‏ وَلِمَالِكٍ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ‏:‏ أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ حَرْفًا حَرْفًا؛ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّأِ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ إِلاَّ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً، فَيَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ، وَلاَ يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ، وَإِنَّمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَلاَ يَبْرَأُ بِهِ مِنْ عَيْبٍ أَصْلاً‏.‏ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِالْبَرَاءَةِ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ وَهُوَ بَيْعُ السُّلْطَانِ لِلْمَغْنَمِ، أَوْ عَلَى مُفْلِسٍ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ الْعَيْبُ الْخَفِيفُ خَاصَّةً فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ فِيمَا يُصِيبُ الرَّقِيقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلاَثِ خَاصَّةً‏.‏ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ، مِنْهُمْ‏:‏ عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، إلَى أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ أَحَدٌ وَإِنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ، إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بَيَّنَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ‏.‏ فأما الْقَوْلُ بِوَضْعِ الْيَدِ فَرُوِّينَاهُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ‏:‏ مَا رَأَيْتهمْ يُجِيزُونَ مِنْ الدَّاءِ إِلاَّ مَا بَيَّنْت وَوَضَعْت يَدَك عَلَيْهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَوْ وَجَدَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ مِثْلَ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطَارٍ؛ لأََنَّ أَبَا عُثْمَانَ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ أَوَّلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ‏.‏ فَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ لَقَالُوا‏:‏ إنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَقْطَعُ بِالظُّنُونِ، وَلاَ نَدْرِي لِوَضْعِ الْيَدِ مَعْنًى، وَمِثْلُ هَذَا لاَ يُؤْخَذُ إِلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ عَنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُ قَلَّدَ مَا رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ إنَّ أَبَاهُ بَاعَ غُلاَمًا لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى عُثْمَانَ وَقَالَ‏:‏ بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ بِعْته بِالْبَرَاءَةِ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْغُلاَمَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ‏.‏ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا إذْ قَلَّدَ عُثْمَانَ وَلَمْ يُقَلِّدْ ابْنَ عُمَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فِي الرَّقِيقِ، وَالشَّافِعِيُّ أَشَدُّ النَّاسِ إنْكَارًا لِلتَّقْلِيدِ‏.‏ ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ كَيْفَ قَلَّدَ عُثْمَانَ فِيمَا لَمْ يَقُلْهُ عُثْمَانُ قَطُّ، وَلاَ صَحَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَلِّدْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَضَائِهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِالنُّكُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ إنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ الْعَجَبِ‏.‏

وَاحْتَجَّ لِتَرْجِيحِهِ رَأْيَ عُثْمَانَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لاَ يَكَادُ يَخْلُو مِنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ، وَأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ بِهَذَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَلاَ يَنْفَعُهُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَوَجَبَ رَفْضُ هَذَا الْقَوْلِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الدَّلاَئِلِ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه لَمْ يَقُلْ‏:‏ إنَّ الْحُكْمَ بِمَا حَكَمَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُ تَخْصِيصُ الْحَيَوَانِ بِذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي عَبْدٍ

قلنا‏:‏ فَلاَ تَتَعَدَّوْا بِذَلِكَ الْعَبِيدَ، أَوْ الرَّقِيقَ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا الْحَيَوَانَ عَلَى الْعَبْدِ

قلنا‏:‏ وَلِمَ لَمْ تَقِيسُوا جَمِيعَ الْمَبِيعَاتِ عَلَى الْعَبْدِ فَحَصَلُوا عَلَى خَبَالِ الْقِيَاسِ، وَعَلَى مُخَالَفَةِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّهُ بَاعَ سِلْعَةً كَانَتْ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخَبَرَ بِتَمَامِهِ، وَقَضَى عُثْمَانُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ‏:‏ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَبِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ الْيَمِينَ وَارْتَجَعَ السِّلْعَةَ‏.‏ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَبِيعٍ وَإِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي تَفْرِيقِهِمْ هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا أَقْوَالُ مَالِكٍ‏:‏ فَشَدِيدَةُ الأَضْطِرَابِ‏:‏ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَكَى عَنْ أَحَدِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ مُقَلِّدِيهِ مِنْ الْحُجَجِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا، وَفِي هَذَا عَجَبَانِ عَجِيبَانِ‏:‏‏.‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ خِلاَفُ هَذَا الأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ، وَمَا عَلِمْنَا إجْمَاعًا يَخْرُجُ مِنْهُ عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ رَجَعَ مَالِكٌ نَفْسُهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، فَلَئِنْ كَانَ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا، فَكَيْفَ اسْتَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُخَالِفَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْحَقُّ فَلَقَدْ خَالَفَ الْحَقَّ وَتَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ حُجَّةً، وَلاَ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ، فَمَا بَالُهُمْ يُغْرُونَ الضُّعَفَاءَ بِهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ، أَمَا هَذَا عَجَبٌ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمْ يَرْجِعْ مَالِكٌ عَنْهُ إِلاَّ لِخِلاَفٍ وَجَدَهُ هُنَالِكَ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ فَقَدْ جَازَ الْوَهْمُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، وَوَجَدَ الْخِلاَفَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلاَ تُنْكِرُوا مِثْلَ هَذَا فِي سَائِرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، وَلاَ تُنْكِرُوا وُجُودَ الْخِلاَفِ فِيهِ، وَهَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ بَيَّنَّا فِي إبْطَالِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بُطْلاَنَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي‏:‏ فِي تَخْصِيصِهِ الرَّقِيقَ خَاصَّةً، فَمَا نَدْرِي لَهُ مُتَعَلَّقًا أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ‏.‏ وَلَعَلَّ قَائِلاً يَقُولُ‏:‏ إنَّهُ قَلَّدَ عُثْمَانَ‏.‏ فَقُلْنَا‏:‏ وَمَا بَالُ تَقْلِيدِ عُثْمَانَ دُونَ تَقْلِيدِ ابْنِ عُمَرَ وَكِلاَهُمَا صَاحِبٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَمَا قَلَّدَ عُثْمَانَ؛ لأََنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقُلْ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي قَضَائِهِ بِالنُّكُولِ، فَمَا حَصَلَ إِلاَّ عَلَى خِلاَفِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِتَعَرِّيهِ عَنْ الأَدِلَّةِ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّالِثُ‏:‏ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فَأَشَدُّهَا فَسَادًا لأََنَّهُ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُ بِقَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ‏:‏ لاَ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ‏.‏ ثُمَّ تَخْصِيصُهُ الْبَيْعَ عَلَى الْمُفْلِسِ عَجَبٌ، وَعُهْدَةُ الثَّلاَثِ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَخْصِيصُهُ بِالْعَيْبِ الْخَفِيفِ وَهُوَ لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْخَفِيفُ مِنْ الثَّقِيلِ فَحَصَلَ مُقَلِّدُوهُ فِي أَضَالِيلَ لاَ يَحْكُمُونَ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ بِالظَّنِّ‏.‏ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ وَبَرِئَ مِنْ عَيْبٍ سَمَّاهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَفْصِيلِهِ عَيْبًا عَيْبًا وَبَيْنَ إجْمَالِهِ الْعُيُوبَ، وَقَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ قَوْلُنَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَعَلَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، فأما الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ فَقَدْ قَدَّمْنَا‏:‏ أَنَّهُ بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأََنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ إِلاَّ الشُّرُوطَ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إبَاحَتِهَا وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ شُرُوطًا لَمْ يُبِحْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَفْصِيلِ الْعُيُوبِ وَبَيْنَ إجْمَالِهَا، فَكَذَبُوا، بَلْ بَيْنَهُمَا أَعْظَمُ الْفَرْقِ؛ لأََنَّهُ إذَا سَمَّى الْعَيْبَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَدَقَ وَبَرِئَ مِنْهُ، وَإِذَا أَجْمَلَ الْعُيُوبَ فَقَدْ كَذَبَ بِيَقِينٍ؛ لأََنَّ الْعُيُوبَ تَتَضَادُّ، فَصَارَتْ صَفْقَةً انْعَقَدَتْ عَلَى الْكَذِبِ فَهِيَ مَفْسُوخَةٌ، وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ فَرْقٌ بَيْنَ صَفْقَةِ صِدْقٍ وَصَفْقَةِ كَذِبٍ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ‏:‏ فَقَدْ اخْتَلَفُوا، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِتَعَرِّيهِ مِنْ الأَدِلَّةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَلْنَذْكُرْ الآنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُقَامَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إنْ وُجِدَ، فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ؛ لأََنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلأََنَّهُ غِشٌّ، وَالْغِشُّ مُحَرَّمٌ‏.‏ قَالَ عليه السلام‏:‏ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ‏"‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأََئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ‏.‏ وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ‏:‏ فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لاَ يُقَامَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إنْ وُجِدَ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ هَكَذَا بَاطِلٌ أَوْ يَكُونَ أَرَادَ فِيهِ كُلَّ عَيْبٍ فَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ؛ لأََنَّ الْحُمَّى عَيْبٌ، وَهِيَ مِنْ حَرٍّ، وَالْفَالِجُ عَيْبٌ وَهُوَ مِنْ بَرْدٍ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ‏.‏ وَكُلُّ بَيْعٍ انْعَقَدَ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لأََنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُ لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ، فَلاَ صِحَّةَ لَهُ، وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الْعُيُوبَ كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ لاَ يُسَمِّيَهَا؛ لأََنَّهُ إنَّمَا سَمَّى عَيْبًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ وَكَذَبَ فِيهِ، فَالصَّفْقَةُ بَاطِلَةٌ؛ لأَنْعِقَادِهَا عَلَى الْبَاطِلِ، وَعَلَى أَنَّ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ يَشْتَرِيهِ، فَإِذْ لَيْسَ بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ، فَلاَ شِرَاءَ لَهُ فِيهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَإِنْ بَاعَ وَسَكَتَ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عَيْبٍ أَصْلاً، وَلاَ شَرَطَ سَلاَمَةً، فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ إنْ وُجِدَ الْعَيْبُ فَالْخِيَارُ لِوَاجِدِهِ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ، وَإِلَّا فَالْبَيْعُ لاَزِمٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1558 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ كُتُبِ الْعُلُومِ عَرَبِيُّهَا وَعَجَمِيُّهَا لأََنَّ الَّذِي يُبَاعُ إنَّمَا هُوَ الرَّقُّ أَوْ الْكَاغَدُ أَوْ الْقِرْطَاسُ وَالْمِدَادُ، وَالأَدِيمُ إنْ كَانَتْ مُجَلَّدَةً وَحِلْيَةً إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلاَ يُبَاعُ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ‏:‏ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ بِالأَرْشِ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَجْلاَنَ هُوَ الأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت أَنَّ الأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى الْحَرَشِيِّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ شَهِدْت فَتْحَ تُسْتَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَأَصَبْنَا دَانْيَالَ بِالسُّوسِ وَمَعَهُ رَبْعَةٌ فِيهَا كِتَابٌ، وَمَعَنَا أَجِيرٌ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ‏:‏ تَبِيعُونِي هَذِهِ الرَّبْعَةَ وَمَا فِيهَا قَالُوا‏:‏ إنْ كَانَ فِيهَا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ كِتَابُ اللَّهِ لَمْ نَبِعْك قَالَ‏:‏ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَرِهُوا بَيْعَهُ، قَالَ‏:‏ فَبِعْنَاهُ الرَّبْعَةَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَوَهَبْنَا لَهُ الْكِتَابَ، قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ فَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ؛ لأََنَّ الأَشْعَرِيَّ، وَالصَّحَابَةَ كَرِهُوا بَيْعَ ذَلِكَ الْكِتَابِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إنَّمَا كَرِهُوا الْبَيْعَ نَفْسَهُ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ نَصْرَانِيًّا؛ أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ وَهَبُوهُ لَهُ بِلاَ ثَمَنٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، وَمَسْرُوقًا، وَشُرَيْحًا، عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَقَالُوا‏:‏ لاَ نَأْخُذُ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ ذَكَرَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمَصَاحِفِ‏:‏ اشْتَرِهَا، وَلاَ تَبِعْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمَصَاحِفِ‏:‏ اشْتَرِهَا، وَلاَ تَبِعْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ شِرَاءَ الْمَصَاحِفِ وَبَيْعَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قُلْت لِعَلْقَمَةَ‏:‏ أَبِيعُ مُصْحَفًا قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ لَحْسُ الدُّبُرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يُورَثُ الْمُصْحَفُ‏:‏ هُوَ لأََهْلِ الْبَيْتِ الْقُرَّاءِ مِنْهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ‏:‏ كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَابْتِيَاعَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَابْتِيَاعَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا مَهْدُ بْنُ مَيْمُونٍ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَنْ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ بِالأَجْرِ فَقَالَ‏:‏ كَرِهَ كُتَّابَهَا وَاسْتِكْتَابَهَا وَبَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ سَالِمٍ هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ بِئْسَ التِّجَارَةُ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَشُعْبَةَ، قَالَ سَعِيدٌ‏:‏ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ، وَلاَ تَبِعْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ اشْتَرِ، وَلاَ تَبِعْ يَعْنِي الْمَصَاحِفَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَفَّانَ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ‏:‏ اشْتَرِهَا، وَلاَ تَبِعْهَا

وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَكَرِهَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ، وَلاَ تَبِعْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ حَتَّى أَرْخَصَ لَهُ، فَهَؤُلاَءِ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ‏:‏ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسْمَائِهِمْ، ثُمَّ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ بِإِطْلاَقٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ‏.‏ وَمِنْ التَّابِعِينَ الْمُسَمَّيْنَ‏:‏ مَسْرُوقٌ، وَشُرَيْحٌ، وَمُطَرِّفُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَلْقَمَةُ،، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، كُلُّهُمْ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَلاَ يَرَاهُ سِوَى مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ يُسَمِّ وَمَا نَعْلَمُهُ رَوَى إبَاحَةَ بَيْعِهَا إِلاَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُمَا، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَثَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ السَّمْحِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَمْرٍو الأَيْلِيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ مُصَبِّحٍ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَيَبِيعُهَا، وَلاَ يُنْكَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ‏.‏ وَالآخَرُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ بُكَيْرٍ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَهَا يَتَّخِذُهَا مَتْجَرًا، وَلاَ يَرَى بَأْسًا بِمَا عَمِلَتْ يَدَاهُ مِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ‏.‏ ابْنُ حَبِيبٍ سَاقِطٌ، وَابْنُ مُصَبِّحٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَطَلْقُ بْنُ السَّمْحِ‏:‏ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَمْرٍو سَاقِطٌ وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَبُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُمَا مُخَالِفَانِ لِقَوْلِهِمْ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُصَبِّحٍ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَلاَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْعَهَا مَتْجَرًا‏.‏ فَأَيْنَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَالْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وَافَقُوا هَهُنَا كِلاَ الأَمْرَيْنِ‏.‏ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْهَا‏:‏ أَبْلَغَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ فِي ابْتِيَاعِهِ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَيْعِهِ إيَّاهُ مِنْ الَّتِي بَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، وَقَدْ خَالَفَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَلَمْ يَقُولُوا هَهُنَا فِيمَا صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ مِنْ إبَاحَةِ قَطْعِ الأَيْدِي فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً‏.‏ فَهَلاَّ قَالُوا‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنْ هَهُنَا يَلُوحُ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا تَحْكُمُوا بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَمْ قَلُّوا كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَائِلُ، لاَ نَتَكَهَّنُ فَنَقُولُ‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَنَنْسُبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ جِهَارًا‏.‏ وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏ فَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ كُلِّهَا حَلاَلٌ، إذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ‏:‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَلَوْ فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى تَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى عِبَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1559 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى حَالَّةً، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ مِثْلِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ مِنْهُ، وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبِأَقَلَّ حَالًّا، وَإِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَقْرَبَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ إلَيْهِ، أَوْ أَبْعَدَ وَمِثْلَهُ، كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ لاَ كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏‏.‏ وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏ فَهَذَانِ بَيْعَانِ فَهُمَا حَلاَلاَنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلُ تَحْرِيمِهِمَا فِي كِتَابٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَلَيْسَا بِحَرَامٍ‏.‏

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ‏.‏ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَا وَقَبَضَ السِّلْعَةَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ لَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ هُوَ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ اشْتَرَاهَا هُوَ بِهِ‏:‏ فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ‏.‏ فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِدَنَانِيرَ، وَكَانَ هُوَ قَدْ اشْتَرَاهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ ابْتَاعَهَا بِدَنَانِيرَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الثَّمَنِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا هُوَ مِنْهُ بِسِلْعَةٍ‏:‏ جَازَ ذَلِكَ كَانَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوْ أَكْثَرَ‏.‏ فَإِنْ ابْتَاعَهَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِثَمَنٍ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْبَائِعِ الأَوَّلِ فَهُوَ يَحْرُمُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي التِّجَارَةِ الَّتِي تِلْكَ السِّلْعَةُ مِنْهَا، وَعَلَى وَكِيلِهِ، وَعَلَى مُدَبَّرِهِ، وَعَلَى مُكَاتَبِهِ، وَعَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ ابْتَاعَهَا هُوَ مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الأَجَلِ لَمْ يَجُزْ‏.‏ فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً لَيْسَتْ طَعَامًا، وَلاَ شَرَابًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَيْنَةِ وَقَدْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ‏.‏ فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، أَوْ بِسِلْعَةٍ تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ أَوْ مِثْلِهِ‏:‏ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ، أَوْ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ، وَلاَ بِسِلْعَةٍ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ احْتَجَّ أَهْلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِمَا رُوِّينَاهُ‏:‏ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ امْرَأَتِهِ،

وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةَ بِنْتِ أَيْفَعَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْهَا قَالَتْ‏:‏ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُمِّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ‏:‏ إنِّي بِعْت غُلاَمًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً إلَى الْعَطَاءِ وَاشْتَرَيْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّك قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، بِئْسَمَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَيْت قَالَتْ‏:‏ أَرَأَيْت إنْ لَمْ آخُذْ إِلاَّ رَأْسَ مَالِي قَالَتْ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ فَقَالُوا‏:‏ مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلاَ فِيمَا سَبِيلُهُ الأَجْتِهَادُ فَصَحَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ‏.‏ وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَيْسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْجَرِيرَةَ إلَى رَجُلٍ فَكَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا يَعْنِي بِدُونِ مَا بَاعَهَا‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ هِيَ دَرَاهِمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَقَالُوا‏:‏ هَذَانِ أَرَادَا الرِّبَا فَتَحَيَّلاَ لَهُ بِهَذَا الْبَيْعِ مَا لَهُمْ شَيْءٌ شَغَبُوا بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ‏.‏ فأما خَبَرُ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ‏:‏ فَفَاسِدٌ جِدًّا؛ لِوُجُوهٍ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي إِسْحَاقَ مَجْهُولَةُ الْحَالِ، لَمْ يَرْوِ عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ زَوْجِهَا، وَوَلَدُهَا يُونُسُ، عَلَى أَنَّ يُونُسَ قَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ بِأَقْبَحِ التَّضْعِيفِ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا، وَقَالَ فِيهِ شُعْبَةُ‏:‏ أَمَا قَالَ لَكُمْ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَأَنَّ امْرَأَةَ أَبِي إِسْحَاقَ لَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَلاَ وَلَدُهَا‏:‏ أَنَّهَا سَمِعَتْ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ لأَُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ جَوَابَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا، إنَّمَا فِي حَدِيثِهَا‏:‏ دَخَلْت عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا، وَأُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَسَأَلَتْهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السُّؤَالُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهِ، فَوَجَدْنَا‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اللَّخْمِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ الْقَاضِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَرْوَانَ الْقَيْسَرَانِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ‏:‏ أَنَّهَا بَاعَتْ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ خَادِمًا لَهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، فَاحْتَاجَ فَابْتَاعَتْهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ‏:‏ بِئْسَ مَا شَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت مِرَارًا، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ جِهَادُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَتْ‏:‏ فَإِنْ لَمْ آخُذْ إِلاَّ رَأْسَ مَالِي قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ‏.‏ وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَتْ‏:‏ سَمِعْت امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَقُولُ‏:‏ سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت‏:‏ بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ خَادِمًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَ مَا شَرَيْت أَوْ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَالَتْ‏:‏ أَفَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي قَالَتْ‏:‏ لاَ بَأْسَ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ‏.‏ فَبَيَّنَ سُفْيَانُ الدَّفِينَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا رَوَتْهُ عَنْ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ، وَهِيَ الَّتِي بَاعَتْ مِنْ زَيْدٍ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدٍ، وَهِيَ فِي الْجَهَالَةِ أَشَدُّ وَأَقْوَى مِنْ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَصَارَتْ مَجْهُولَةً عَنْ أَشَدَّ مِنْهَا جَهَالَةً وَنَكِرَةً فَبَطَلَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏ وَلَيْسَ بَيْنَ يُونُسَ، وَبَيْنَ سُفْيَانَ نِسْبَةٌ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ، فَالرِّوَايَةُ مَا رَوَى سُفْيَانُ‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنَّ مِنْ الْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ عَلَى كَذِبِ هَذَا الْخَبَرِ وَوَضْعِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا أَصْلاً‏:‏ مَا فِيهِ مِمَّا نُسِبَ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ وَزَيْدٌ لَمْ يَفُتْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا غَزْوَتَانِ فَقَطْ‏:‏ بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، فَقَطْ، وَشَهِدَ مَعَهُ عليه السلام سَائِرَ غَزَوَاتِهِ، وَأَنْفَقَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، وَشَهِدَ بَيْعَةَ الرَّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَشَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالصِّدْقِ وَبِالْجَنَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏.‏ وَنَصَّ الْقُرْآنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَضِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَوَاَللَّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا كُلَّهُ ذَنْبٌ مِنْ الذُّنُوبِ غَيْرُ الرِّدَّةِ عَنْ الإِسْلاَمِ فَقَطْ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَعَاذَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ تَقُولَ هَذَا الْبَاطِلَ‏.‏ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْخَبَرِ أَيْضًا‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ زَيْدًا أَتَى أَعْظَمَ الذُّنُوبِ مِنْ الرِّبَا الْمُصَرَّحِ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ حَرَامٌ لَكَانَ مَأْجُورًا فِي ذَلِكَ أَجْرًا وَاحِدًا غَيْرَ آثِمٍ، وَلَكَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لأَبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي إبَاحَةِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ جِهَارًا يَدًا بِيَدٍ، وَمَا لِطَلْحَةَ رضي الله عنه إذْ أَخَذَ دَنَانِيرَ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ ثُمَّ أَخَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فِي صَرْفِهَا إلَى مَجِيءِ خَازِنِهِ مِنْ الْغَابَةِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ رضي الله عنه‏:‏ فَمَا زَادَ عُمَرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلاَ زَادَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى لِقَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَعْلِيمِهِ‏.‏ وَمَا أَبْطَلَ عُمَرُ؛، وَلاَ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْ عَمَلِ طَلْحَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكِلاَ الْوَجْهَيْنِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ رِبًا صُرَاحٌ، وَلاَ شَيْءَ فِي الرِّبَا فَوْقَهُ‏.‏ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبْطَالُ جِهَادِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي شَيْءٍ عَمِلَهُ مُجْتَهِدًا، لاَ نَصَّ فِي الْعَالَمِ يُوجَدُ خِلاَفُهُ، لاَ صَحِيحٌ، وَلاَ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ، هَذَا وَاَللَّهِ الْكَذِبُ الْمَحْضُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ يَنْسُبُهُ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ يُحَرِّمُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذِهِ بَرَاهِينُ أَرْبَعَةٌ فِي بُطْلاَنِ هَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ خُرَافَةٌ مَكْذُوبَةٌ‏.‏

ثم نقول‏:‏ إنَّهُ لَوْ صَحَّ صِحَّةَ الشَّمْسِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُ قَوْلٌ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا قَوْلُهَا بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهُ إذَا تَنَازَعَا؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

وَالثَّانِي أَنْ نَقُولَ لَهُمْ‏:‏ كَمْ قَوْلَةٍ رَدَدْتُمُوهَا لأَُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ كَبَيْعِهَا الْمُدَبَّرَةَ وَإِبَاحَتِهَا الأَشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَاطَّرَحْتُمْ حُكْمَهَا وَتَعَلَّقْتُمْ بِمُخَالَفَةِ عُمَرَ لَهَا فِي الْمُدَبَّرَةِ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ‏:‏ مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ أَنْ يَنْفِرَ فَلاَ حَجَّ لَهُ، وَالأَشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ، فَأَطْرَحْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ، وَلَمْ تَقُولُوا‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ‏.‏ وَخَالَفْتُمُوهُ لِقَوْلِ ابْنِهِ‏:‏ لاَ أَعْرِفُ الأَشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَمَرَّةً يَكُونُ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لاَ يُشْتَغَلُ بِهِ، وَمَرَّةً تَكُونُ عَائِشَةُ حُجَّةً عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَعُمَرُ حُجَّةً عَلَى عَائِشَةَ، وَابْنُ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى عُمَرَ، وَغَيْرُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا هُوَ التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ وَبِالْحَقَائِقِ‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَدِدْت أَنِّي رَأَيْت الأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَهَلاَّ قُلْتُمْ‏:‏ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ كَمَا قُلْتُمْ هَهُنَا وَالرَّابِعُ أَنَّ مِنْ الضَّلاَلِ الْعَظِيمِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ عِنْدَهَا، رضي الله عنها، فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثَرًا ثُمَّ تَكْتُمُهُ فَلاَ تَرْوِيهِ لأََحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى حَاشَا لَهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكْتُمَ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَمَا حَصَلُوا إِلاَّ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَقْوِيلِهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، إذْ لَوْ قَالَهُ لَكَانَ مَحْفُوظًا بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى بَلَغَ إلَى أُمَّتِهِ، وَالْكَذِبِ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏ وَالْخَامِسُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ بِقَوْلِهَا بِئْسَ مَا شَرَيْت وَالْمَالِكِيُّونَ يُبِيحُونَهُ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا نِصْفُ كَلاَمِهَا حُجَّةٌ وَنِصْفُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ‏.‏ وَالسَّادِسُ أَنَّنَا

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ خَدِيجِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ خَتَنَةِ أَبِي السَّفَرِ أَنَّهَا نَذَرَتْ مَشْيًا إلَى مَكَّةَ فَعَجَزَتْ فَقَالَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هَلْ لَكِ ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْكِ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ لاَ حُجَّةَ فِيهَا فَهِيَ تِلْكَ نَفْسُهَا أَوْ مِثْلُهَا، بَلْ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً، فَهَذَا حُجَّةٌ، وَإِلَّا فَقَدْ حَصَلَ التَّنَاقُضُ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الأَحْتِجَاجِ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ فَهُوَ رَأْيٌ مِنْهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لأَبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ بَاعَ سَرْجًا بِنَقْدٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِدُونِ مَا بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ لَعَلَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَاعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا‏.‏ وَكَمْ قِصَّةٍ لأَبْنِ عَبَّاسٍ خَالَفُوهُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا آنِفًا فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ إذَا قَاصَصَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهَا دَرَاهِمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ جِدًّا، وَقَدْ قُلْت لِبَعْضِهِمْ‏:‏ مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ بِدِينَارَيْنِ فَقَالَ‏:‏ حَلاَلٌ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ رِبًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ، وَلَمْ يَجِبْ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارَيْنِ‏:‏ أَنْ يَكُونَ رِبًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ، وَهَلْ فِي الْهَوَسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَبِيعَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ فَيَكُونَ رِبًا، وَيَبِيعَ مِنْهُ دِينَارَيْنِ بِدِينَارٍ فَلاَ يَكُونُ رِبًا، لَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ دِينٍ وَجَدْتُمْ هَذَا أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ فَمَا أَتَى بِفَرْقٍ، وَلاَ يَأْتُونَ بِهِ أَبَدًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهُمَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْنَا فَتَحَيَّلاَ بِهَذَا الْعَمَلِ فَجَوَابُهُمْ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْتُمْ فَتَحَيَّلاَ بِهَذَا الْعَمَلِ، فَبَارَكَ اللَّهُ فِيهِمَا، فَقَدْ أَحْسَنَا مَا شَاءَا إذْ هَرَبَا مِنْ الرِّبَا الْحَرَامِ إلَى الْبَيْعِ الْحَلاَلِ، وَفَرَّا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى مَا أَحَلَّ، وَلَقَدْ أَسَاءَ مَا شَاءَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِمَا، وَأَثِمَ مَرَّتَيْنِ لأَِنْكَارِهِ إحْسَانَهُمَا، ثُمَّ لِظَنِّهِ بِهِمَا مَا لَعَلَّهُمَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِمَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ‏.‏

وَأَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا يَسِيرًا مِنْ تَقْسِيمِهِمَا، وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ يَرَى أَنَّهَا تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالتَّنَاقُضِ، كَتَفْرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِسِلْعَةٍ وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِدَنَانِيرَ، وَفِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ وَكَتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى وَكِيلِهِ وَشَرِيكِهِ‏.‏ وَكَتَفْرِيقِ مَالِكٍ بَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَ بَاعَهَا بِهِ فَيَرَاهُ حَلاَلاً، وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِأَقَلَّ فَيَرَاهُ حَرَامًا، وَهَذِهِ عَجَائِبُ بِلاَ دَلِيلٍ كَمَا تَرَى ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْهَمَ أَنَّهُ أَخَذَ بِخَبَرِ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ؛ لأََنَّهُ يَرَى ذَلِكَ فِيمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ مَا لَمْ يَنْتَقِدْ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي خَبَرِ عَائِشَةَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1560 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ دُورِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَابْتِيَاعُهَا حَلاَلٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْحَجِّ ‏"‏ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ‏.‏

1561 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الأَعْمَى، أَوْ ابْتِيَاعُهُ بِالصِّفَةِ جَائِزٌ كَالصَّحِيحِ، وَلاَ فَرْقَ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الأَعْمَى، وَالْبَصِيرُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1562- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْعَبْدِ، وَابْتِيَاعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جَائِزٌ، مَا لَمْ يَنْتَزِعْ سَيِّدُهُ مَالَهُ فَإِنْ انْتَزَعَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مَالُ السَّيِّدِ، لاَ يَحِلُّ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏ فَلَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏ فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ حَرَامًا لَفَصَّلَهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لَنَا، وَلَمَا أَلْجَأَنَا فِيهِ إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالآرَاءِ الْمُدَبَّرَةِ‏.‏ فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ حَلاَلٌ غَيْرُ حَرَامٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الزَّكَاةِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ صِحَّةَ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَالِهِ؛ وَأَمَّا انْتِزَاعُ السَّيِّدِ مَالَ الْعَبْدِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَسَأَلَ عَنْ ضَرِيبَتِهِ فَأَمَرَ مَوَالِيَهِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْهَا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَهُ وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ لأََنَّهُ عليه السلام أَعْطَاهُ أَجْرَهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا أَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَهُ بِأَمْرِهِ عليه السلام بِأَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ‏.‏فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَهُ مَا لَمْ يَنْتَزِعْهُ سَيِّدُهُ، وَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ لِنَفْسِهِ‏.‏ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ إذَا ادَّانَ الْعَبْدُ بِبَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهِيَ جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ فَكُّهُ بِهَا أَوْ إسْلاَمُهُ إلَى صَاحِبِ دِينِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَوَّلُ مَا يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مَوْجُودًا فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ يُعْقَلُ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ هُوَ ضِدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكْسِبَ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ إِلاَّ حَيْثُ أَوْجَبَهُ النَّصُّ كَالْعَاقِلَةِ‏.‏ ثُمَّ وَجْهٌ آخَرُ

وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ إنَّ الْبَيْعَ وَالأَبْتِيَاعَ جِنَايَةٌ وَهَذَا تَخْلِيطٌ آخَرُ،

وقال مالك‏:‏ إذَا تَدَايَنَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلِسَيِّدِهِ فَسْخُ الدَّيْنِ عَنْهُ وَهَذَا بَاطِلٌ شَنِيعٌ، لأََنَّهُ إبَاحَةٌ لأََكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَسُولُهُ عليه السلام قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ جَزَاءَ مَا جَنَى، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ، ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْبَيْعَ الْوَاجِبَ عَنْ الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، ثُمَّ أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ نَعْلَمُهُ، وَلاَ فِي قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ‏.‏ وَعَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنْ وُجِدَتْ السِّلْعَةُ الَّتِي اشْتَرَى الْعَبْدُ بِيَدِهِ وَجَبَ رَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا، فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إزَالَةُ السِّلْعَةِ عَنْ يَدِ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَجِبْ إغْرَامُهُ الثَّمَنَ عَنْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ‏.‏ وَلَئِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَالَ الْبَائِعِ‏:‏ فَإِنَّ الثَّمَنَ مَالُهُ‏.‏ وَلَئِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَيْسَ هُوَ مَالَ الْبَائِعِ، فَإِنَّ السِّلْعَةَ لَيْسَتْ مَالَهُ، بَلْ قَدْ عُكِسَ الأَمْرُ هَهُنَا أَقْبَحَ الْعَكْسِ وَأَوْضَحَهُ فَسَادًا؛ لأََنَّهُ رَدَّ إلَى الْبَائِعِ سِلْعَةً قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهَا، وَصَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ لَهُ بِلاَ شَكٍّ وَهَذِهِ طَوَامُّ لاَ نَظِيرَ لَهَا‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ بَلْ الثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ يَوْمًا مَا وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لأََنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ لاَزِمًا لِلْعَبْدِ فَلأََيِّ مَعْنًى يُؤَخَّرُ بِهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ‏.‏ وَلَئِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَيْسَ لاَزِمًا الآنَ فَلاَ يَجُوزُ إغْرَامُهُ إيَّاهُ إذَا أُعْتِقَ‏.‏ وَلَئِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ الآنَ وَاجِبٌ‏.‏ وَلَئِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ فَاسِدًا فَمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ فَقَطْ‏.‏ فَهَذِهِ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَاخْتِلاَفُهُمْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَيَقَّنَ كُلُّ مُوقِنٍ سُقُوطَهَا كُلَّهَا‏.‏ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما وَعَنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1563 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْمَرْأَةِ مُذْ تَبْلُغُ الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ، وَغَيْرِ ذَاتِ الْأَبِ وَالثَّيِّبِ ذَاتِ الزَّوْجِ وَاَلَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا جَائِزٌ، وَابْتِيَاعُهَا كَذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْحَجْرِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ ‏.‏

1564 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ مَلَكَ مَعْدِنًا لَهُ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، إذْ الذَّهَبُ مَخْلُوقٌ فِي مَعْدِنِهِ كَمَا هُوَ هُوَ، جَائِزٌ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ ‏[‏ وَبِغَيْرِ الْفِضَّةِ ‏]‏ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَحَالًّا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ مَعْدِنَ فِضَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ نَقْدًا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فِضَّةَ هُنَالِكَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِيلُ تُرَابُهُ بِالطَّبْخِ فِضَّةً ‏.‏ وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ أَجَازَ بَيْعَ النَّخْلِ لَا ثَمَرَ فِيهَا بِالتَّمْرِ نَقْدًا وَحَالًّا فِي الذِّمَّةِ وَنَسِيئَةً، وَالتَّمْرُ يَخْرُجُ مِنْهَا -

وَكَذَلِكَ أَبَاحَ بَيْعَ الْأَرْضِ بِالْبُرِّ، وَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ ‏.‏

1565 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الْكَلاَِ جَائِزٌ فِي أَرْضٍ وَبَعْدَ قَلْعِهِ؛ لأََنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الأَرْضِ، وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، كَالْوَلَدِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالثَّمَرِ، وَالنَّبَاتِ وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ‏:‏ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ‏:‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْكَلاَِ إِلاَّ بَعْدَ قَلْعِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً وَإِنَّمَا هُوَ تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى سَاقِطَةٌ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ‏:‏

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَا أَبُو خِدَاشٍ ‏"‏ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ إنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ غَزَوَاتٍ فَسَمِعَهُ يَقُولُ‏:‏ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ الْمَاءُ وَالْكَلاَُ وَالنَّارُ‏.‏ وَرَوَاهُ أَيْضًا حُرَيْزُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيِّ وَهُوَ أَبُو خِدَاشٍ نَفْسُهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَرْنٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْجُرَيْرِيُّ قَالَ لِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اتَّقُوا السُّحْتَ بَيْعَ الشَّجَرِ وَإِجَارَةَ الأَمَةِ الْمُسَافِحَةِ وَثَمَنَ الْخَمْرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ أَنَا أَبِي كَهْمَسٍ عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الَّذِي لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فَأَجَابَهُ‏:‏ الْمَاءُ، وَالْمِلْحُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ أَبُو خِدَاشٍ هُوَ حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ نَفْسُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ؛ لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَوْلَى بِهِ لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النَّارِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَاءً فِي إنَاءٍ أَوْ كَلاًَ فَجَمَعَهُ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُمَا، وَلاَ يُشَارِكُهُ فِيهِمَا أَحَدٌ وَهَذَا خِلاَفُ عُمُومِ الْخَبَرِ فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا عَنَى بِهِ الْكَلاََ قَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ

قلنا‏:‏ بَلْ الْكَلاَُ الثَّابِتُ فِي الأَرْضِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَأْوِيلُكُمْ دَعْوَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فَمُنْقَطِعٌ، ثُمَّ الْقَوْلُ فِيهِ وَفِي خِلاَفِهِمْ لَهُ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ، وَلاَ فَرْقَ وَحَدِيثُ بُهَيْسَةَ مَجْهُولٌ عَنْ مَجْهُولٍ عَنْ مَجْهُولَةٍ ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْكَلاَِ أَصْلاً وَكَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ الأَخْذُ بِهَذِهِ الْمَرَاسِيلِ، لَكِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فَتَرَكُوهَا‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ لِصَاحِبِ الأَرْضِ بَيْعَ كَلاَِ أَرْضِهِ وَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ لِدَوَابِّهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَهْبِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ‏:‏ لاَ تَأْكُلُوا ثَمَنَ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ سُحْتٌ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْكَلاَِ كُلِّهِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ أَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي قَالَ‏:‏ قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ ثَلاَثٌ لاَ يُمْنَعْنَ‏:‏ الْمَاءُ وَالْكَلاَُ، وَالنَّارُ‏.‏ فَهَؤُلاَءِ أَخَذُوا بِعُمُومِ هَذِهِ الْمَرَاسِيلِ فَمَنْ ادَّعَى مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْخُصُومَ فَقَدْ كَذَبَ، وَلِهَذَا أَوْرَدْنَاهَا‏.‏

1566 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَبَيْعُ الشِّطْرَنْجِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالْعِيدَانِ، وَالْمَعَازِفِ، وَالطَّنَابِيرِ‏:‏ حَلاَلٌ كُلُّهُ، وَمَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صُورَةً مُصَوَّرَةً فَلاَ ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لأََنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهَا‏.‏ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَابْتِيَاعُهُنَّ ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏‏.‏وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الضَّمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِآثَارٍ لاَ تَصِحُّ، أَوْ يَصِحُّ بَعْضُهَا، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَهِيَ‏:‏

مَا رُوِّينَا، مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلاَمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ ‏"‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَبَاطِلٌ، إِلاَّ رَمْيَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، أَوْ مُلاَعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ‏.‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الأَزْرَقِ مَجْهُولٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَا أَبُو سَلاَمٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ لِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْسَ لَهْوُ الْمُؤْمِنِ إِلاَّ ثَلاَثٌ‏.‏‏.‏‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَهُ‏.‏ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ مَجْهُولٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَعِيدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَفْصٍ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ ‏"‏ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَعِبٌ، لاَ يَكُونُ أَرْبَعَةً‏:‏ مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ‏.‏

هَذَا حَدِيثٌ مَغْشُوشٌ مُدَلَّسٌ دُلْسَةَ سُوءٍ؛ لأََنَّ الزُّهْرِيَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ ابْنَ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ رَجُلٌ زُهْرِيٌّ مَجْهُولٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ‏.‏

رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، هُوَ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، إِلاَّ أَرْبَعَةً‏:‏ مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ‏.‏ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَغْوٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ‏.‏

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُغَنِّيَةَ وَبَيْعَهَا وَثَمَنَهَا وَتَعْلِيمَهَا وَالأَسْتِمَاعَ إلَيْهَا‏.‏

فِيهِ‏:‏ لَيْثٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي رَزِينٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَخِيهِ، وَمَا أَدْرَاك مَا عَنْ أَخِيهِ هُوَ مَا يُعْرَفُ وَقَدْ سُمِّيَ، فَكَيْفَ أَخُوهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا لاَحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَقْدِسِيُّ قَدِمَ مَرْوَ أَنَا أَبُو الْمُرَجَّى ضِرَارُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَاضِي الْجِيلاَنِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاَءُ فَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَاِتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ، وَالْمِعْزَفَ فَلْيَتَوَقَّعُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، وَمَسْخًا وَخَسْفًا‏.‏ لاَحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَضِرَارُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْحِمْصِيُّ مَجْهُولُونَ‏.‏ وَفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حِمْصِيٌّ مَتْرُوكٌ، تَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِسْعٍ وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُنَّ الآنَ فَذَكَرَ فِيهِنَّ‏:‏ الْغِنَاءَ، وَالنَّوْحَ‏.‏ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ضَعِيفٌ، وَكَيْسَانُ مَجْهُولٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا سَلاَمُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ عَنْ شَيْخٍ عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَا حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ‏.‏

مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِيهِ‏:‏ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعَازِفِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اتِّخَاذِ الْقَيْنَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى اسْتِحْلاَلِهِمْ الْخَمْرَ بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَالدِّيَانَةُ لاَ تُؤْخَذُ بِالظَّنِّ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيُّ الْقَاضِي أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْغِمْرِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ بِحِمْصَ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَنَا عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ، هُوَ ابْنُ نُعَيْمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ جَلَسَ إلَى قَيْنَةٍ فَسَمِعَ مِنْهَا صَبَّ اللَّهُ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُرَكَّبٌ، فَضِيحَةٌ مَا عُرِفَ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلاَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلاَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَكُلُّ مَنْ دُونَ ابْنِ الْمُبَارَكِ إلَى ابْنِ شَعْبَانَ مَجْهُولُونَ‏.‏، وَابْنُ شَعْبَانَ فِي الْمَالِكِيِّينَ نَظِيرُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ فِي الْحَنَفِيِّينَ، قَدْ تَأَمَّلْنَا حَدِيثَهُمَا فَوَجَدْنَا فِيهِ الْبَلاَءَ الْبَيِّنَ، وَالْكَذِبَ الْبَحْتَ، وَالْوَضْعَ اللَّائِحَ، وَعَظِيمَ الْفَضَائِحِ، فإما تَغَيَّرَ ذِكْرُهُمَا، أَوْ اخْتَلَطَتْ كُتُبُهُمَا، وَإمَّا تَعَمَّدَا الرِّوَايَةَ عَنْ كُلِّ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ مِنْ كَذَّابٍ، وَمُغَفَّلٍ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ‏.‏

وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهُوَ ثَالِثَةُ الأَثَافِي‏:‏ أَنْ يَكُونَ الْبَلاَءُ مِنْ قِبَلِهِمَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَالصِّدْقَ، وَصَوَابَ الأَخْتِيَارِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ‏:‏ رَوَى هَاشِمُ بْنُ نَاصِحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلاَ تُصَلُّوا عَلَيْهِ‏.‏ هَاشِمٌ، وَعُمَرُ‏:‏ مَجْهُولاَنِ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ عَائِشَةَ، وَحَدِيثٌ لاَ نَدْرِي لَهُ طَرِيقًا، إنَّمَا ذَكَرُوهُ هَكَذَا مُطْلَقًا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ صَوْتَيْنِ مَلْعُونَيْنِ‏:‏ صَوْتِ نَائِحَةٍ، وَصَوْتِ مُغَنِّيَةٍ وَهَذَا لاَ شَيْءَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏:‏ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ الآيَةَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَطُّ عَقِيرَةَ صَوْتِهِ بِغِنَاءٍ إِلاَّ ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ حَتَّى يَسْكُتَ‏.‏ إسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ، وَمُطَرِّحٌ مَجْهُولٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُحَرَ ضَعِيفٌ، وَالْقَاسِمُ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ دِمَشْقِيٌّ مُطَّرَحٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ، وَلاَ بَيْعُهُنَّ، وَلاَ اتِّخَاذُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ‏:‏ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ عَقِيرَتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلاَّ ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى يَسْكُتَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْبَدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ تَعْلِيمَ الْمُغَنِّيَاتِ وَشِرَاءَهُنَّ، وَبَيْعَهُنَّ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهِنَّ‏.‏ أَمَّا الأَوَّلُ‏:‏ فَعَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْقَاسِمِ أَيْضًا، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي إبِلٌ، أَفَأَحْدُو فِيهَا قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ أَفَأُغَنِّي فِيهَا قَالَ‏:‏ اعْلَمْ أَنَّ الْمُغَنِّيَ أُذُنَاهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ يُرْغِمُهُ حَتَّى يَسْكُتَ‏.‏ هَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ سُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ بَصْرِيٌّ أَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَحُجُّونَ قَالُوا‏:‏ فَمَا بَالُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ اتَّخَذُوا الْمَعَازِفَ وَالْقَيْنَاتِ، وَالدُّفُوفَ، وَيَشْرَبُونَ هَذِهِ الأَشْرِبَةَ، فَبَاتُوا عَلَى لَهْوِهِمْ، وَشَرَابِهِمْ، فَأَصْبَحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ‏.‏ هَذَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلَمْ يُدْرَ مَنْ هُوَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَيْضًا‏:‏ أَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ أَنَا فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ تَبِيتُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، يَكُونُ فِيهَا خَسْفٌ، وَقَذْفٌ، وَيُبْعَثُ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَائِهِمْ رِيحٌ فَتَنْسِفُهُمْ، كَمَا نَسَفَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِاسْتِحْلاَلِهِمْ الْحَرَامَ، وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَضَرْبِهِمْ الدُّفُوفَ، وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقِيَانَ‏.‏ وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ لاَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ ضَعِيفٌ، نَعَمْ‏:‏ وَسُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ، وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو‏:‏ لاَ أَعْرِفُهُمْ فَسَقَطَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ بِيَقِينٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْوِ الْمَعَازِفِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالأَوْثَانِ، وَالصُّلُبِ‏:‏ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ، وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ، وَلاَ تَعْلِيمُهُنَّ، وَلاَ التِّجَارَةُ بِهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ نَعْنِي الضَّوَارِبَ الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ‏:‏ أَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ وَوَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ‏.‏

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَصَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، وَلاَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ، وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ مَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ حَقًّا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ لَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ مَنْ وَطِئَهُنَّ بِالشِّرَاءِ، وَأَنْ لاَ يَلْحَقَ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا‏.‏ ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ مِلْكِهِنَّ، وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَيَحِلُّ مِلْكُهَا وَتَمْلِيكُهَا كَالْمَاءِ، وَالْهِرِّ، وَالْكَلْبِ‏.‏ هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِمَّا أُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا عَمَّنْ دُونَهُ عليه السلام‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ الآيَةَ، فَقَالَ‏:‏ الْغِنَاءُ، وَاَلَّذِي لاَ إلَهَ غَيْرُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ‏:‏ الْغِنَاءُ، وَشِرَاءُ الْمُغَنِّيَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ‏:‏ الْغِنَاءُ، وَنَحْوُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الدُّفُّ حَرَامٌ، وَالْمَعَازِفُ حَرَامٌ‏:‏ وَالْمِزْمَارُ حَرَامٌ، وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كَانَ أَصْحَابُنَا يَأْخُذُونَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ يَخْرِقُونَ الدُّفُوفَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْغِنَاءُ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ‏:‏ هُوَ الْغِنَاءُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لأََحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ نَصَّ الآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا؛ لأََنَّ فِيهَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلاَ خِلاَفٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ تَعَالَى هُزُوًا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا ذَمَّ قَطُّ، عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لاَ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلاَةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالاً بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ‏.‏ وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا‏:‏ مِنْ الْحَقِّ الْغِنَاءُ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَقَالُوا‏:‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فَاسِقٌ،

وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً، وَلاَ مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الْإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لاَزَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ بُطْلاَنًا مُتَيَقَّنًا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؛ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ لَعِبَ بِالْمَيْسِرِ يَعْنِي النَّرْدَ وَالشِّطْرَنْجَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي مِثْلَ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يُصَلِّي، أَفَنَقُولُ‏:‏ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَتَهُ‏.‏ هَذَا مُرْسَلٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ ضَعِيفٌ‏.‏

وهذا الخبر حُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ؛ لأََنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ الأَخْذُ بِهِ فَيَنْقُضُونَ الْوُضُوءَ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ، فَإِنْ تَرَكُوهُ تَنَاقَضُوا وَتَلاَعَبُوا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبَّةَ بْنِ سَلَمٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ الشِّطْرَنْجُ مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِهَا، وَالنَّاظِرُ إلَيْهَا كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ‏.‏ ابْنُ حَبِيبٍ لاَ شَيْءَ، وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَحَبَّةُ بْنُ سَلَمٍ مَجْهُولٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْجُذَامِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ أَبِيهِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَاحِبُ الشَّاهِ الَّذِي يَقُولُ‏:‏ قَتَلْتُهُ، وَاَللَّهِ أَهْلَكْتُهُ، وَاَللَّهِ اسْتَأْصَلْتُهُ، وَاَللَّهِ إفْكًا وَزُورًا وَكَذِبًا عَلَى اللَّهِ‏.‏ عَبْدُ الْمَلِكِ لاَ شَيْءَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ‏.‏ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ،، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاََنْ أَعْبُدَ وَثَنًا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْعَبَ بِالشِّطْرَنْجِ هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبٌ إنَّ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الذُّنُوبِ، فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ أَخَفَّ مِنْهَا وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لاَ شَيْءَ وَأَبُو قَبِيلٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ بِالْعَدَالَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، وَأَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ رِجَالِهِمَا‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِرِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِشِطْرَنْجٍ فَقَالَ‏:‏ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ لاََنْ يُمْسِكَ أَحَدُكُمْ جَمْرَةً حَتَّى تُطْفَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا، لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَضَرَبْت بِهَا وُجُوهَكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا‏.‏ هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ أَهُوَ مِنْ الْحَقِّ أَمْ مِنْ الْبَاطِلِ كَجَوَابِنَا فِي الْغِنَاءِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْصِيلٌ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا صَحَّ أَنَّهُ كُلُّهُ حَلاَلٌ مُطْلَقٌ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ وَقَالَ‏:‏ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ‏.‏

وَبِهِ أَيْضًا إلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هُوَ أَبُو الأَسْوَدِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ لِي‏:‏ أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ دَعْهُمَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ فِيهِ‏:‏ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا قَدْ قَالَتْ‏:‏ إنَّهُمَا كَانَتَا تُغَنِّيَانِ، فَالْغِنَاءُ مِنْهُمَا قَدْ صَحَّ، وَقَوْلُهَا ‏"‏ لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ ‏"‏ أَيْ لَيْسَتَا بِمُحْسِنَتَيْنِ‏.‏ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ، إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَوْلَهُ‏:‏ أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَحَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ، لاَ كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُدَانِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَنَأَى عَنْ الطَّرِيقِ وَقَالَ لِي‏:‏ يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا قُلْتُ‏:‏ لاَ، فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَقَالَ‏:‏ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا وَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذِهِ هِيَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ بِصِحَّةِ هَذِهِ الأَسَانِيدِ، وَلَوْ كَانَ الْمِزْمَارُ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ عليه السلام لأَبْنِ عُمَرَ سَمَاعَهُ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ لِنَافِعٍ سَمَاعَهُ، وَلاََمَرَ عليه السلام بِكَسْرِهِ وَبِالسُّكُوتِ عَنْهُ، فَمَا فَعَلَ عليه السلام شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَإِنَّمَا تَجَنَّبَ عليه السلام سَمَاعَهُ كَتَجَنُّبِهِ أَكْثَرَ الْمُبَاحِ مِنْ أَكْثَرِ أُمُورِ الدُّنْيَا، كَتَجَنُّبِهِ الأَكْلَ مُتَّكِئًا، وَأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ، وَأَنْ يُعَلِّقَ السُّتُرَ عَلَى سَهْوَةٍ فِي الْبَيْتِ وَالسُّتُرُ الْمُوَشَّى فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ عَنْ النَّظَرِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ رَأَى أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ، وَقَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ، وَثَابِتَ بْنَ يَزِيدَ وَهُمْ فِي عُرْسٍ وَعِنْدَهُمْ غِنَاءٌ فَقُلْت لَهُمْ‏:‏ هَذَا وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا‏:‏ إنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ لَيْسَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْغِنَاءِ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَسَلَمَةُ، هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ، كُلِّهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِجِوَارٍ فَأَتَى إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَعَرَضَهُنَّ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ جَارِيَةً مِنْهُنَّ فَأَحْدَتْ، قَالَ أَيُّوبُ‏:‏ بِالدُّفِّ، وَقَالَ هِشَامٌ‏:‏ بِالْعُودِ، حَتَّى ظَنَّ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ حَسْبُك سَائِرَ الْيَوْمِ مِنْ مَزْمُورِ الشَّيْطَانِ، فَسَاوَمَهُ، ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي غُبِنْتُ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَتَى ابْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ‏:‏ إنَّهُ غُبِنَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فإما أَنْ تُعْطِيَهَا إيَّاهُ، وَأَمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ، فَقَالَ‏:‏ بَلْ نُعْطِيهَا إيَّاهُ‏.‏

فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ سَمِعَ الْغِنَاءَ وَسَعَى فِي بَيْعِ الْمُغَنِّيَةِ، وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ لاَ تِلْكَ الْمُلَفَّقَاتُ الْمَوْضُوعَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ قَالَ‏:‏ مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ‏:‏ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ إِلاَّ التَّمَاثِيلَ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ لاَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمَكْذُوبَةُ الَّتِي رَوَاهَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ‏.‏ فإن قيل‏:‏ قَدْ رَوَى‏:‏ أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ‏.‏ قلنا‏:‏ هَذَا سَاقِطٌ؛ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ، وَالسَّبِيعِيُّ مَجْهُولٌ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ‏.‏ فإن قيل‏:‏ الدُّفُّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قلنا‏:‏ هَذَا الْبَاطِلُ‏:‏ وَرُوِّينَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ أَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ الْجَوَارِي فِي الْمَدِينَةِ مَعَهُنَّ الدُّفُوفُ فَيُشَقِّقُونَهَا‏.‏ وَقَدْ جَاءَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏:‏ أَنَّهُمَا كَانَا يُحْسِنَانِ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّي بِالْعُودِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏